منذ بدأت الحرب العاتية التي أعلنها حزب الله على المحكمة الدولية وعلى القرار الظني، وحملة التخوين غير المسبوقة التي يشنها موجهاً تحذيرات باعتبار كل من يتعامل مع القرار الظني والمحكمة الدولية عميلاً للإسرائيليين والأميركيين وستتم معاملته معاملة الغزاة، بدا وكأن البلاد تستعيد عشية نفس الأجواء التي عصفت بلبنان خلال الأيام الأخيرة قبيل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي تولتها، ومن يستعيد الأجواء "الإملائية" التي تجري مخاطبة دولة الرئيس سعد رفيق الحريري عبرها بدءاً من نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي لم يتردد في القول: "الحريري يعرف ماذا عليه أن يفعل لوقف المحكمة" أو "الحريري يملك مفاتيح تعطيل المحكمة"!!
حتى جاء الأمس ونشرت صحيفة "الرأي" الكويتية نقلاً عن مصادر أميركية عن وجود "تقارير استخباراتية تداولتها جهات عربية، وتطابقت مع معلومات متوافرة لدى الدوائر الأوروبية والأميركية، تشير إلى أن سعد الحريري في دائرة الاستهداف، وأنه يتم أخيراً رصد تحركاته بشكل أكبر من السابق"، وأوضحت المصادر - التي ظلت مجهولة - أن "فكرة التخلص من الحريري بدأت تتبلور بعد الإدراك أن تكرار أحداث أيار 2008 قد تؤدي إلى إشعال حرب من دون التوصل إلى الهدف الرئيسي، أي الفرض على الحريري "إدانة المحكمة الدولية" - وهذا أمر يطلبه حزب الله علانية وعبر الشاشات والصحف من سعد الحريري - لتكوين إجماع سياسي لبناني حول معارضتها، وهو أكثر ما يمكن لهذه الإطراف عمله لمحاولة التخلص من المحكمة في الوقت الحالي". أما أخطر ما أكدته المصادر للصحيفة الكويتية: "لا تنفع الترتيبات الإقليمية القائمة في توفير الحماية للحريري الذي اغتيل والده في ظروف أقل تأزيماً".
هل نحن أمام معادلة جديدة، بعد الحكم أو المحكمة، ثم الاستقرار أو المحكمة، ثم محكمة سورية مقابل محكمة دولية، لندخل مرحلة معادلة: حياة سعد الحريري أو المحكمة؟! من دون أن ننسى أو نتجاهل الرسالة التي تم توجيهها للسيدة بهية الحريري في حارة صيدا والتي تم التوافق على تسميتها كالعادة "حادث فردي"!!
هل تذكرون الصفحة الأولى للصحيفة التي صدرت صباح 27 ايلول 2010 وتصدّرتها صورة سعد الحريري وعيناه معصوبتان ببضعة أسطر هي "الإقرار المطلوب منه أن يعلنه وعالعمياني" ونص الصيغة المنشورة على صدر الصحيفة: "أنا سعد رفيق الحريري أرى أن صدور قرار اتهامي عن المحكمة الدولية يتهم مباشرة أو مداورة حزب الله أو أحد عناصره بالتورط في مقتل والدي يعني أن المحكمة الدولية مسيسة، وسأرفض هذا القرار"، وتم تذييل الإقرار المطلوب بتهديد أن الأحداث ما لم يقدم هذا الإقرار ستتسارع في البلاد بطريقة غير محمودة!!
نحن أمام "بازل" شديد الخطورة ستكتمل "قطعه" يوم السبت المقبل مع خطاب أمين عام حزب الله، أما القطع المتوافرة بين أيدي اللبنانيين فتتضمن مؤتمر جميل السيد الصحافي والذي فيه تهديد علني بالقتل للرئيس سعد الحريري والكلام الذي أعلنه عن صدور مذكرات جلب بحق أسماء لشخصيات لبنانية قبل صدورها، ثم اقتحام مطار بيروت، ثم تهديدات النائب نواف الموسوي العالية الخطورة التي تلت هذه الأحداث!!
أما ما تزامن أمس الثلاثاء مع الخبر "المفزع" الذي نشرته الصحيفة الكويتية والذي لم يحظ بعد بموقف لا من رئاسة الجمهورية، ولا رئيس المجلس النيابي المنشغل بإعطائنا دروساً تاريخية في عظمة الفرس وأوليتهم في الصبر والكيمياء، ولا عن الأجهزة الأمنية المفترض أن تؤمن أعلى حماية للرئيس سعد الحريري، ووسط صمت "الدولة المخصية" ورؤوسها التي لا تفعل شيئاً سوى "تمرير الوقت" وتأجيل اندلاع النيران التي ستقف حتماً لتتفرج عليها، ما تزامن بالأمس ليتقاطع مع الحديث الذي نقله مراسل "الرأي" في واشنطن عن مصادره قولها: إن المؤشرات تدل على أن الضغوط التي تمارس على السيد الحريري لإدانة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ممكن ان تترجم في وقت لاحق إلى استهدافه أو تصفيته جسدياً، بعدما ثبت أن تليينه أو ممارسة ضغوط داخلية وإقليمية عليه لم تأت بنتائجها المطلوبة حتى الآن"...
وتزامناً مع هذا الكلام، أضيفت بالأمس قطعتا بازل ووضعتا بمتناول اللبنانيين، القطعة الأولى قدّمها جميل السيد الذي حذر في مقابلة مع صحيفة "ليبراسيون" نشرت أمس الثلاثاء من أنه: "إذا صدر قرار ظني عن المحكمة الخاصة بلبنان يتهم حزب الله باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فإن هذا سيغير لبنان، وأن "النظام سينهار من أعلى إلى أسفل وهذا الأمر سيؤدي إلى اضطرابات سياسية وأمنية، وكل شيء ممكن أن يحصل"!!
ويتوافق كلام جميل السيد "الظاهر" و"المعلن" مع الكلام الصادر أمس الثلاثاء أيضاً عن إبراهيم السيد رئيس المجلس السياسي في حزب الله "المبطن" بتوقعه: "أننا سنشهد تطورات في الأيام المقبلة لم تكن بالحسبان وستكون إيجابية بأغلبها على حزب الله وسلبية على الآخرين"، وبالطبع لا تعجز حزب الله الحجج والذرائع إذ جاء هذا التهديد مغلفاً بعنوان "إنقاذ لبنان":"إن كل ما يفعله الحزب هدفه إنقاذ لبنان من الضياع ومن الفتنة من أيدي الطرف الآخر الذي أخذ البلاد مدة أكثر من خمس سنوات إلى الدمار"!!
أما ما يسمعه اللبنانيون يومياً في أعمالهم أو في سيارات الأجرة أو خلال حواراتهم مع المحسوبين على جمهور حزب الله، والذين لا يتردد سائق تاكسي منهم مثلاً أن يخاطب راكباً إلى جانبه بالقول: "سنجعلهم يترحمون على 7 أيار"، أو أن يمازح أحدهم زميله في العمل بقوله "حضروا حالكن بـ16 أيار"!! مَن يجمع هذا البازل "المخيف" عليه أن يفكر ملياً وبقلق شديد من تسرّب كلام يبث في الأجواء، خصوصاً إذا كانت مصادره أميركية من أن "رئيس حكومة لبنان سعد رفيق الحريري" في دائرة الاستهداف، سلمه الله للبنان وشعبه، وسلم لبنان مما يُحاك له من فتن وغدر ومما يمارس عليه يومياً من "إرهاب" على كل المستويات ستكتمل أركانه، في وقت ليس ببعيد، بالإرهاب الأمني... أما "الدولة" فمازالت "تتفرج" ونظنها ستبقى كذلك لأنها "جبانة ونعامة" وعمياء أيضاً.